يقول الكاتب الفلسطيني فريد طعم الله إنه ترك موسم قطف الزيتون في قريته قرب نابلس ليستمع إلى خطاب دونالد ترامب أمام الكنيست الإسرائيلي ثم إلى القمة التي انعقدت في شرم الشيخ، متمنياً – ربما بسذاجة – أن يعترف الرئيس الأمريكي بمعاناة الفلسطينيين أو يطرح رؤية حقيقية للسلام. لكن الخطاب، كما يروي، لم يخلُ من الخيبة والغضب، إذ امتلأ بتفاخر الذات والثناء المفرط على "صمود إسرائيل" بعد السابع من أكتوبر، من دون أي إشارة إلى الإبادة الجارية في غزة أو إلى عشرات آلاف المدنيين الفلسطينيين الذين يقتلون وتُدفن عائلاتهم تحت الركام.
ذكرت ميدل إيست مونيتور أن ترامب بدا فخوراً بدوره في تسليح إسرائيل، متباهياً بأن إدارته "وقفت إلى جانبها كما لم يفعل أحد"، مذكّراً بأنه نقل السفارة الأمريكية إلى القدس واعتبر المستوطنات غير الشرعية "مشروعة". بالنسبة إلى الفلسطينيين، يرى الكاتب أن كلماته لم تكن مجرد جهل بل قسوة تمحو إنسانيتهم وتاريخ نكبتهم الممتد 77 عاماً، وتغضّ الطرف عن الحواجز والجدران والجنود الذين يقمعونهم يومياً.
بينما كان ترامب يخطب في القدس، كان صديقه في غزة يبحث عن طعام ومأوى لعائلته بعدما دمّر القصف منزله، يعيش في خيمة صغيرة ويكاد لا يجد قوت يومين. يصف الكاتب المفارقة بأن الرئيس الأمريكي يتحدث عن "الدفاع عن إسرائيل" فيما الفلسطينيون يحاولون الدفاع عن أطفالهم من الجوع والبرد واليأس.
يصف طعم الله خطة ترامب بأنها ليست خطة سلام بل امتداد للمنطق الاستعماري القديم الذي يحافظ على الهيمنة الإسرائيلية ويحوّل الفلسطينيين إلى ضحايا طائعين. فالخطة لا تتطرق إلى جوهر الصراع وهو الاحتلال، بل تتحدث عن "فرص اقتصادية" و"تعاون إقليمي" كما لو أن المطلوب وظائف لا حرية. وتَعِد بـ"أمن لإسرائيل" دون أي ذكر لأمن الفلسطينيين المحاصرين. وتمدح التطبيع بين إسرائيل والأنظمة العربية، بينما تتجاهل التطبيع الأعمق مع الفصل العنصري على الأرض.
يصف الكاتب الخطة بأنها سراب سياسي يتيح لإسرائيل مواصلة مشروع الاستيطان تحت غطاء "السلام"، تماماً كما فعل ترامب في 2020 عندما أعلن "صفقة القرن" وهو يستبعد الفلسطينيين من المفاوضات. والنتيجة، كما يقول، هي محاولة لإضفاء الشرعية على ضم الأراضي وإنكار حق اللاجئين وتفتيت الأرض الفلسطينية أكثر فأكثر.
حين وصف ترامب إسرائيل بأنها "منارة للديمقراطية"، تذكّر تعاملة أشجار الزيتون التي اقتلعها المستوطنون قرب قريته، والحواجز التي تمنعه من الوصول إلى أرضه، وأصدقاءه في غزة الذين يعيشون بلا أمان منذ عامين. وسأل: أهذه هي "الحضارة" التي يمتدحها؟
يؤكد الكاتب أن السلام بالنسبة للفلسطينيين لا يعني فقط توقف الحرب، بل يعني العدالة والمحاسبة على جرائم الحرب والحق في العيش بحرية على الأرض دون احتلال أو حصار. ويشير إلى أن قمة شرم الشيخ التي حضرها ترامب ورئيس الانقلاب المصري عبد الفتاح السيسي ومسؤولون عرب استخدمت لغة "الاستقرار والأمن وإنهاء العنف"، لكنها تجاهلت جوهر القضية: إنهاء الاحتلال ورفع الحصار وتحقيق العدالة.
يرى طعم الله أن كثيراً من الأنظمة العربية تتعامل مع القضية الفلسطينية عبئاً سياسياً تسعى لتجاوزه عبر التطبيع، لكن تجاهل الظلم لن يجلب استقراراً حقيقياً. فالمقاومة، كما يكتب، تولد من رحم القهر، ولا يمكن لأي قمم أو بيانات جوفاء أن تمحوها.
ويعتبر أن "خطة السلام" ليست سوى صفقة ربحية جديدة، إذ يتعامل ترامب مع الدبلوماسية كصفقة تجارية تُباع فيها العدالة وتُشترى الحقوق. هدفه، كما يصفه الكاتب، تلميع صورة إسرائيل وتبييض جرائمها، وتحويل الإبادة والفصل العنصري إلى "شراكة واستقرار"، بينما يفتح الأبواب أمام صفقات السلاح والاستثمار. إنها "تجارة بالقمع" في ثوب دبلوماسي.
ويحذّر من أن تجاهل المجتمع الدولي لجرائم الإبادة يعني انهيار النظام العالمي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية لمنع مثل هذه الفظائع. فإذا استطاعت إسرائيل أن تقتل وتجوّع شعباً بأكمله أمام أعين العالم دون عقاب، فذلك يعني أن القيم التي بُني عليها القانون الدولي فقدت معناها.
حين غادر ترامب المنصة وسط تصفيق النواب الإسرائيليين، أدرك الكاتب أن ما جرى لم يكن عملية سلام بل عرضاً سياسياً هدفه طمأنة إسرائيل بأن شيئاً لن يتغيّر. لكن في الواقع الفلسطيني، ما يزال القتل والاعتقال ومصادرة الأراضي مستمراً يومياً.
عاد طعم الله إلى حقله بعد الخطاب، يقطف الزيتون من أشجار زرعها جده، شاعراً بأن هذه الأرض هي جوهر الصراع ورمز الصمود. ويختم مقاله بأن السلام الحقيقي لا يولد في قاعات المؤتمرات، بل في تربة فلسطين وفي كرامة شعبها، ولن يتحقق إلا بزوال الاحتلال ورفع الحصار ومحاسبة المجرمين. الفلسطينيون لا يرفضون السلام، بل يرفضون القهر المتنكر في ثوبه. السلام الحقيقي يبدأ حين يُعترف بحقوقهم كاملة، وحين تنتهي هيمنة القوة التي تسمّي القمع "سلاماً".
https://www.middleeastmonitor.com/20251019-trumps-so-called-peace-plan-offers-no-justice-no-peace/